Skip to main content
نحو مهرجان لمسرح البحر في الإمارات

نحو مهرجان لمسرح البحر في الإمارات

 

إذا اعتبرنا العرض المسرحي الأولي الذي شهدته المدرسة القاسمية في الشارقة في العام 1950 هو بداية «المسرح النظامي» إن جاز القول في الإمارات، فيكون وفقاً لهذا التاريخ قد مرّ الآن سبعون عاماً على ذلك العرض، وهي فترة طويلة عرف فيها المسرح الإماراتي أكثر من مرحلة، وأكثر من تجربة مسرحية كان وراءها روّاد إماراتيون وخليجيوّن وعرب كان لهم دور مهم في تاريخ المسرح الإماراتي والخليجي بشكل عام.
المسرح في الإمارات ذاكرة وتاريخ وحكايات، وصفّ طويل من المؤسسين والرواد وتلاميذهم وممّن خرجوا من تجارب الستينيات والسبعينيات إلى تجارب الثمانينيات والتسعينيات، وبعد ذلك من سنوات المسرح الإماراتي الذي عرف أكثر من خشبة عبر هذه العقود السبعة، وإذا حذفنا نصف هذه الفترة، وتحدثنا عن عقود ثلاثة أو أربعة على أكثر تقدير في عمر المسرح الإماراتي، فنحن اليوم فعلاً نقف مع الممثل والمخرج على أكثر من خشبة مهنية في الإمارات على رأسها خشبة مسرح أيام الشارقة منذ بداية الثمانينيات وحتى اليوم.

أكثر من فضاء

 توالى ظهور الخشبات المسرحية المتخصصة.. من المسرح العربي، إلى مسرح الشباب، إلى المسرح الجامعي، إلى المسرح المدرسي، إلى مسرح الطفل، إلى المسرح الكشفي، إلى المسرح الصحراوي، وهذا المسرح الأخير هو مسرح الهواء الطلق، وهو مسرح متخصص هو الأول من نوعه في الإمارات وربما في الوطن العربي، وهو «بيئة» أو «مسرح المكان»؛ حيث الخروج الكلي من مبنى المسرح ومن خشبته ومن ستارته نحو العرض في المكان المفتوح، وفي لغة أهل المسرح: الخروج من العلبة الإيطالية، إلى ما يمكن تسميته: العرض في علبة بلا أضلاع وبلا غطاء.
تجربة المسرح الصحراوي في الشارقة نجحت في تكريس مفهوم شعبي تراثي «مكاني» في ثقافة المسرح العربي، وهو إلى جانب كل ذلك مسرح «حكاية» شعبية تراثية، وهو المسرح الذي يذهب إلى الناس في مكانهم وباديتهم وصحرائهم، ويحكي قصصهم ببساطة وصدق ومحبة.
من هذه النقطة بالذات، نبحث عن مسرح مكاني، بيئي، حكائي، شعبي هو الآخر، وهو مسرح البحر.
مثلما للصحراء مسرحها وفضاؤها الحرّ والجمالي والحكائي والإنساني والاجتماعي، كذلك، للبحر مسرحه وفضاؤه ومفرداته.
مسرح البحر في الإمارات ليس غائباً عن الخشبة والستارة والعلبة الإيطالية، فالكثير من عروض أيام الشارقة المسرحية، وعروض الأعياد، وعروض المناسبات الوطنية والثقافية هي عروض تقع مهنياً وتخصصياً تحت عنوان «مسرح البحر»، ولكن هذه العروض لم تؤطر إلى اليوم في مصطلح محدّد هو مصطلح «مسرح البحر»، فهي عروض موزّعة على أكثر من خشبة.

بيئة درامية

في دراسة مهمّة منشورة في «مجلة جامعة الشارقة» عدد يونيو/حزيران 2018 بعنوان «صورة النوخدة في النصّ المسرحي الخليجي» يقرأ د.يحيى سليم عيسى أعمالاً مسرحية خليجية تؤطر معاً تحت مصطلح واحد هو «مسرح البحر»، ومن هذه الأعمال: مسرحية «النواخذة» لسالم الفقعان، ومسرحيتا «سبع ليال»، و«توب توب يا بحر» لراشد المعاودة، ومسرحية «نورة» لجاسم الزايد، وتعود هذه المسرحيات التي مركزها البحر إلى سبعينيات القرن العشرين لكتّاب خليجيين، وقد كتب مسرحيون إماراتيون أعمالاً فنية تقع تحت عنوان مسرح البحر: «حرب النعل» عام 2010 للمسرحي الإماراتي إسماعيل عبدالله، ومسرحية «بنات النوخدة» للكاتبة باسمة يونس، ومسرحية «راعي البوم عبّرني» لجمال مطر، ومسرحية «شراع السموم» لمحمد سعيد الظنحاني، وكتب للمسرح الإماراتي أعمالاً ذات صلة بموضوع البحر كل من: سالم الحتاوي، مرعي الحليان، علي جمال، عمر غباش، جمال سالم، عبدالله صالح، ويقول د.يحيى سليم عيسى في الدراسة المشار إليها: «منذ أواخر الخمسينيات، وجد كتّاب المسرح في الخليج ومن خلال بيئة البحر ومهنة الغوص وأسلوب نظامها الاقتصادي بيئة درامية يتأجج فيها الصراع بشكل واضح».. ولهذا الصراع أشكال عدّة في البحر وفي البرّ أيضاً، وهو صراع قديم جديد كما يقولون لا يحكمه مكان بعينه، منذ صراع جلجامش في البحر وبحثه الأبدي عن زهرة الخلود، إلى صراع عوليس في البحر وضياعه فيه إلى سنوات عشر، إلى صراع الكهل سانتياغو في رواية «الشيخ والبحر» للروائي الأمريكي «أرنست همنغواي».

أفق آخر
البحر، ومفرداته، وأساطيره، وميثولوجياته، وأبطاله، وشهداؤه مادة غنية خصبة وفيرة في التراث المسرحي الإماراتي والخليجي والعربي والعالمي، وبذلك، تتوافر كل شروط وعناصر إيجاد مسرح بحري أو مسرح البحر في الإمارات، ومن هنا، من الشارقة عاصمة المسرح العربي، كما هي عاصمة الثقافة العربية وكما هي عاصمة الثقافة الإسلامية، والعاصمة العالمية للكتاب.
عندما نقترح مهرجاناً في الشارقة لمسرح البحر، فذلك، لأن بيئة البحر هي المكان المثالي لهذا المهرجان في الإمارات، والبحر فضاء مائي له امتداداته الثقافية واللغوية والأسطورية في منطقة الخليج العربي.. منطقة البحر بكل ثقافته التاريخية.
ننتظر أيضاً تجارب مسرحية تحت عنوان «مسرح البحر» قادمة من الوطن العربي: البحر الأحمر، البحر الأبيض المتوسط، البحر الميت، وننتظر تجارب مسرحية تحت عنوان مسرح البحر من العالم كله حيث الماء أكثر من اليابسة.
نجحت الشارقة في إيجاد هوية مسرحية تحمل أكثر من محتوى فكري وإبداعي وجمالي.. هناك المسرح التاريخي، وهناك المسرح الروائي، وهناك المسرح المكتوب باللغة المحكية الإماراتية، وهناك المسرح المكتوب باللغة العربية الصافية، وهناك المسرح المعرّب أي المسرح المنقول من التراثيات المسرحية العالمية إلى الخشبة العربية.
المتاح الآن للأفكار الجديدة هو إيجاد مسرح للبحر بهوية إماراتية عربية، إلى جانب هويات عالمية إنسانية تلتقي على ما يمكن أن يُسمّى ثقافة الماء التي تحيل إلى الحيوية، والشفافية، والحياة.

 

 

المصدر: الخليج

06 Dec, 2020 05:10:31 PM
0

لمشاركة الخبر